هل يمكن أن نسافر بسرعة تفوق سرعة الضوء بمعنى أخر هل نستطيع السفر عبر الزمن
لا يمكن لشيء أن يسافر بسرعة تفوق سرعة الضوء. تلك المقولة الشهيرة التي دائمًا ما نسمعها، وأن الضوء البالغ سرعته 299,792.458 كيلومتر في الثانية لا يمكن أن يتم تجاوزه، ولكن هل هذا صحيح؟ ولماذا لا يُمكن تجاوز هذه السرعة؟
قبل القرن السادس عشر، كان غالبية البشر يعتقدون بأن سرعة الضوء لا نهائية، إلَّا أن العالم جاليليو أول من فكر أن للضوء سرعة محددة، حيث أنه في عام 1638 قام بتجربة لقياس سرعة الضوء بمعاونة اثنين من مساعديه، وكانت التجربة أن يقف أحدهما على قمة جبل والآخر على قمة أُخرى بحيث تكون المسافة بينهما كيلومترًا واحدًا. وقد كان كل منهما يحمل مصباح في يده، وعندما يطلق جاليليو إشارة البدء يقوم المساعد الأول برفع يده عن المصباح، وعندما يلمح الثاني الضوء القادم من الأول يقوم هو أيضًا برفع يده عن المصباح ليلمحه الأول، وبقياس الزمن المنصرم للضوء يحسب جاليليو سرعته، وعندما حسب الزمن المنصرم وجد أنه يساوي صفر، فقررإعادة التجربة ولكن بزيادة المسافة، ولكن كانت النتيجة هي أن الزمن يساوي صفرًا، وفي النهاية وصف جاليليو حركة الضوء أنها إن لم تكن لحظية ولا نهائية، فإنه سريع للغاية.
وبعدها في عام 1676 حصلنا على تقدير قريب لسرعة الضوء الحقيقية عن طريق الفلكي الدنماركي أُولي رومر، حيث أنه كان من إحدى طرق البحارة في البحر لحساب الوقت هو مراقبة كسوف كوكب المشتري بواسطة أحد أقماره إيو، وأن الوقت الذي يستغرقه القمر ليكمل دورة كاملة حول المشتري هو 1,769 يومًا، ولكن كانت هناك مشكلة صغيرة، حيث أن رومر لاحظ اختلاف أوقات الكسوف اعتمادًا على موعد الرصد في السنة. ففي الأوقات التي تبتعد فيها الأرض عن كوكب المشتري، كان الوقت بين مواعيد كسوف قمر إيو يزداد قليلًا، وكلما اقتربت الأرض كان الوقت يقل. هذا التأثير التراكمي لمواعيد الكسوف خلَّف تغيُّرًا بمعدل أكبر من عشرة دقائق.
استنتج رومر أن سبب هذا الاختلاف هو تغير المسافة بين الأرض والمشتري وقمره، وأن الضوء يقطع مسافات مختلفة في أوقات مختلفة من السنة، وبالتالي استنتج رومر أن سرعة الضوء تُساوي 214,000 كيلومتر في الثانية.
وفي عام 1849 جاءت أول تجربة معملية في المختبر على يدي العالم فيزيو، حينما استطاع الفرنسي (فيزو –Fizeau) قياس سرعة الضوء كما في تجربة جاليليو، حيث استخدم مرآة وترس دَوَّار يُصدر نوابض عند سقوط الضوء عليه، وعندما أجرى التجربة عدة مرات، استنتج أن سرعة الضوء قد تصل إلى 315,000 كيلومتر في الثانية. وبعدها طور الفرنسي فوكولت جهاز فيزو ليتمكَّن من استخدامه في المعمل.
وأخيرًا في عام 1887 استطاع الأميركيان ميكلسون ومورلي اختراع جهاز في غاية الدقة لقياس سرعة الضوء، وحَسَبَا القيمة التي نعرفها الآن، كما أنهما أثبتا أن سرعة الضوء لا تتأثر بدوران الأرض حول الشمس أو ما يُسمى بالأثير.
ولكن بعد كل هذه التجارب في قياس سرعة الضوء، ما السبب في جعل سرعة الضوء محدودة؟
هذا السؤال أعطى ألبرت أينشتاين وهلةً للتفكير حول سرعة الضوء، فإذا ما وضع مصباح على مقدمة صاروخ، فهل سرعة الضوء المنبعث من ذاك المصباح ستتجاوز سرعة الضوء؟
بدأ هذا الأمر يضع أينشتاين في حيرةٍ من أمره، حتى جاء بفكرة مجنونة قد تحل هذه المشكلة، وهي أنه إذا تسارع جسمٌ ما فإن الزمن يتباطأ، وبالتالي لم يعد الزمن ثابتًا، ومن هنا وُلدت النسبية.
في عام 1964 قام العالم بيل بيرتوزي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بتسريع إلكترونات إلى عدة سُرعات مختلفة ومن ثم قاس طاقتها الحركية، ووجد أنه كلما اقتربت سرعتها من سرعة الضوء أصبحت أثقل وأثقل، حتى تصل إلى مرحلة تكون فيها ثقيلة جدًا بحيث لا تستطيع أن تسرع أكثر من ذلك. وكانت السرعة القصوى التي وصلت إليها الإلكترونات هي سرعة الضوء.
وفي تجربة أخرى قام الفيزيائيان جوزيف هافيلي وريتشارد كاتينج بوضع ساعات السيزيوم الذرية على متن رحلات لطائرات تجارية مختلفة، ووجدوا أن الزمن يتباطأ في تلك الساعات، تمامًا كما افترض أينشتاين في نسبيته الخاصة.
وبذلك فكلما تحرك جسم ما بسرعةٍ أكبر، يُصبح أكثر كتلةً وثِقلًا، والزمن يكون أبطأ، حتى يصل إلى سرعة الضوء، حيث عند تلك النقطة يتوقف الزمن، وإذا توقف الزمن لن يُصبح من الممكن وجود سرعة أخرى. ولذلك لا يُمكن لأي جسم أن يسافر بسرعة أكبر من سرعة الضوء.



مواضيع ذات صلة